من منا لم يشعر بالخوف يوماً؟ طبعا لا أحد، فالخوف غريزة وهذا ما نعرفه جميعاً. لكن ماذا عندما يصبح الخوف مرضياً؟ ماذا عندما تصاب بالفوبيا؟ والفوبيا – باختصار – هي نوع من الخوف المرضي مثل الخوف من الأماكن المغلقة، أو المرتفعة، أو من حيوانات معينة.
هذا الخوف يتضخم ليصبح حالة من الرعب والذعر قد تصل لفقدان الوعي، ،ثم ما يلبث أن يتحول إلى مرض نفسي يسبب ضغطا رهيبا على المريض بالدرجة الأولى ثم على المحيطين به. فلماذا يا ترى هذا الخوف؟ و كيف يصبح مرضيا؟ قبل الإجابة عن هاذه الأسئلة كان لا بد لنا من مساءلة البعض ممن يعانون من هذا المرض.
نقول منى ش، 26 سنة: "لا أحتمل رؤية فأر أو ذكر اسمه أمامي، تصيبني مباشرة حالة غريبة من الرعب تصل إلى حد البكاء الهستيري.. أذكر أنني ذات يوم رأيته أمامي فرفض عقلي في بداية الأمر الإعتراف بوجوده ووجدت نفسي أخبر من حولي بأن سنجاب قد دخل إلى البيت وما أن سمعتهم يقولون إنه فأر حتى انتابتني هذه الحالة وبدأت لا شعورياً (أهرش) جسدي حتى كادت الدماء أن تتصبب مني.. وإلى اليوم أعاني من هذا الرعب ولا أعرف سببه".
يقول محمد س ، 20 سنة، طالب: "أخاف من القطط كثيراً.. هو ليس خوفا بالمعنى المتعارف عليه. لا أستطيع أن أصف لك شعوري بالضبط، أنا لا أحب أن أراها أمامي، أما وجودها بقربي فيثير في نفسي التقزز و النفور رغم أنني شجاع بشهادة الجميع ".
و يقول عبد الواحد الحسين، 23 سنة، تقني: "أخشى المستقبل كثيراً، ويبدو لي ضبابيا أكثر مما يجب، لا شيء واضح. أخشى – أيضا – المناسبات كالكسوف ودخول عام جديد، يخيل لي وقتها أن حدثا جللا سيقع. أعرف أنه لا أساس لمخاوفي لكنها تسيطر علي فتقهر إرادتي الشخصية ".
عبد الفتاح عبد الله، 23 سنة، طالب، يبدو على وعي بمشكلته، يبتسم بهدوء قائلا: "أخاف من الكلاب بشدة ، مهما كانت نوعيتها حتى الصغيرة منها أو الأليفة. يمكن أن أخمن سبب هذا .. ففي طفولتي عضني كلب متشرد، و شعرت وقتها بهلع كبير حيث تم نقلي إلى المستشفى لحقني. و من يومها و أنا أهاب الكلاب" .
نجاة محمد، 19 سنة، طالبة بإسبانيا، تقول: "مخاوفي كثيرة، لكنني أخاف الصراصير بالدرجة الأولى، فهي تثير في نفسي ذعرا لا حدود له يمكن أن أسميه مرضا نفسيا ".
و تقول نجوى، 20 سنة، طالبة: "أشعر بالخوف من الوحدة و من الأماكن المظلمة. أحتاج دائما إلى من يكون معي، ولا أستطيع الدخول إلى مكان غير مضاء وحدي مهما كانت الأسباب" .
أما رنا د، 35 سنة: فتقول "أخاف من الزحام خاصة في الشوارع لا أعرف لماذا أشعر بالإختناق كلمل وجدت نفسي في سيارتي وسط زحام يحيط بي من الأمام والخلف وابدأ بالصراخ حتى أن الساق اضطر في أحد المرات لإجتياز الرصيف والخروج من الزحام بسبب الحالة العصبية التي أصابتني".
هذه بعض النماذج لمخاوف قد تبدو غريبة، لكنها موجودة فعلا و الكثيرون يعلنون منها. و يعزو الأطباء علم النفس أسباب الفوبيا إلى بعض رواسب الطفولة.فمن خلال بعض التجارب الميدانية اتضح أن هذه المخاوف هي فعلا ناتجة عن ذكرى سيئة تترسخ في العقل الباطن للطفل الذي ينسى – جزئيا – ما حدث لكن الذكرى لا تلبث أن تظهر فيما بعد عند أول مواجهة مع هذا العامل.
فمثلا إحدى المريضات كانت تخشى اللون الأحمر بشدة، و بعد جلسة تحليل نفسية اتضح أنها شهدت اعتداء تعرض له أحد أفراد عائلتها وكان المعتدي وقتها يلبس معطفا أحمر اللون ،فارتبط اللون الأحمر – لا شعوريا – عند الطفلة بالحدث الذي أصبح خوفا مرضيا مع مرور الأيام .
يقول الدكتور عادل صادق في كتابه (حكايات نفسية): "العلاج يستلزم دراسة كاملة لطفولة المريض والمواقف والصدمات التي تعرض لها... وهناك نوع من العلاج يسمى (العلاج السلوكي) ومعناه إعادة تدريب وتعليم المريض أنماطاً جديدة من السلوك لكي يكون قادراً على مواجهة المشاكل دون خوف... ويتم ذلك عن طريق تعريضه تدريجياً أو بشكل مفاجيء للموقف الذي يثير مخاوفه).
وهكذا يتضح أن (الفوبيا) مرض نفسي، و بالتالي يجب أولاً التفريق بينها وبين الخوف العادي وبعدها يأتي دون التحليل لمعرفة مسببات نشأتها والتخلص منها،و إن كنت تعاني من شيء كهذا فلا تتردد في زيارة الطبيب النفسي و لا تعتقد أن ذلك ترف لا يقوم به إلا من أوتي سعة من الرزق. فالأمراض النفسية كالأمراض العضوية تحتاج إلى فحص و علاج ، و هذا ما لا يختلف حوله اثنان.