الميزانية والتنمية الاجتماعية
تواصل ميزانية الخير مسيرة نموها سنوياً بمعدلات قياسية تجعلنا نسأل الله بأن يضع (عود في عين الحسود) أثناء قراءة أرقامها، كما نسأل الله بأن يضع (حصوة ملح) في عين كل من تسول له نفسه إهدارها عمداً أو تساهلاً في مشاريع غير مدروسة لاترتقي إلى تطلعات القيادة وآمال المواطنين.
في العام الماضي تطرقت إلى (الخطوط المتوازية) التي تحتاجها (التنمية المتوازنة) إلى جانب الميزانيات المرصودة وهي (الجهات التنفيذية، التشريعات، المكاشفة والمحاسبة)، ولعل تركيزي ينصب هذا العام على الجهات التنفيذية.
من اللافت أن الميزانية قد حرصت مجدداً على تنمية الإنسان بواسطة تطوير برامج ومنشآت التعليم والتأهيل وفي الواقع بعض هذه المشاريع قد بدأت تظهر للعيان غير أن المطلوب مراجعتها للتحقق من أنها قد تلافت أخطاء الماضي التي يجب توجيه اللجان التنفيذية إليها تفادياً لإهدار المال العام بسوء التقدير.
قبل أيام قليلة جمعتني الصدفة البحتة ببعض الأكاديميات المتفائلات بالميزانية المرصودة لتطوير التعليم ومنشآته مع بعض التحفظ الذي يعود إلى تجارب الماضي ويستند على سبيل المثال إلى ما تم إنشاؤه حديثاً من مبانٍ تعد تحفة فنية فريدة وواجهة معمارية مشرفة غير أن المفاجأة كانت بعد افتتاح بعض المباني أنها غير صالحة للاستخدام كون حجراتها صغيرة للحد الذي يحول دون استخدامها كقاعات دراسة أما بهوها الكبير فلايمكن استخدامه إلا لاستقبال المسؤولين واصطحابهم في جولة، وعندما تفتقت الأذهان لاستغلال البهو كقاعة مؤتمرات وجدوا أن ارتفاع السقف مع اتساع البهو يسبب صدى صوت ويحول دون استخدام المكان لهذا الغرض وبالتالي فالمبنى بأكمله لايصلح إلا لجولة المسؤولين فيه مع الاكتفاء باستخدام الحجرات كمكاتب إدارية.
أما فيما يتعلق بالبحث العلمي فمن الواضح أن الدولة أقدمت على خطوة هامة بتخصيص جزء من الميزانية للبحث العلمي بعد أن أثبتت التجربة أنه لايمكن أن يتطور محلياً بالاعتماد على دعم القطاع الخاص وتبرعات رجال الأعمال فقط، غير أنني أخشى أن يكون هذا الاستنتاج بعيداً عن أذهان اللجان التنفيذية فتواصل تخصيصها للجزء الأكبر من ميزانياتها للمباني دون أن يتبقى ما يكفي لتمويل الأبحاث، فتصبح لدينا قصور جديدة للبحث العلمي تضم باحثين مع وقف التنفيذ لعدم توفر تمويل كافٍ أو تضيف إلى مهمة الباحث مهام التسويق للبحث على عتبات رجال الأعمال.
مشاركة المقاولين في اللجان التنفيذية أمر في غاية الأهمية ولكن الموازنة بين مشاركتهم ومشاركة الأطراف ذات العلاقة بتطوير البرامج وتجهيز المباني بشكل عملي ستساعد على توفير بيئة مناسبة للعمل والإنتاج، بل وحتى مشاركة الأكاديميين لابد أن تكون دقيقة لتخلق التوازن ولاتحيد عن الأهداف المنشودة، ولازلت أذكر تعليق طالب على كلمة ألقاها مدير احدى الجامعات مسهباً في الحديث عن المباني التي سيتم تشييدها فاختلط الأمر لدى الطالب ولم يعرف إن كان يستمع إلى المدير أو إلى المقاول!!.
بعيداً عن التعليم وقريباً من التنمية الاجتماعية توجد مشاريع جديدة بأمس الحاجة إلى الترويج والدعم والتبني منها على سبيل المثال ماتقوم به «جمعية أصدقاء حدائق جدة» بالتعاون مع الأمانة للحصول على أراضٍ في الأحياء السكنية وتحويلها إلى حدائق وملاعب للشباب بتمويل القطاع الخاص، وقد يبدو هذا المشروع من الكماليات غير أن الواقع فاجأني عندما تم الكشف عن نتائج بناء هذه الحدائق ومن بينها حديقة (النزلة) التي اتضح بعد تجهيزها بالملاعب الرياضية واستقطابها للشباب تراجع في معدلات الجريمة وتعاطي المخدرات والفساد في الحي.
دراسة تلك التجربة وحدها قد تكون كفيلة بفتح روافد جديدة للتبرعات ولاستثمارات القطاع الخاص المخصصة لخدمة المجتمع، كما تخدم الجهات الأمنية بمساهمتها في الحد من ظواهر كالإرهاب والجريمة، وتؤكد على أن توفير مرافق الترفيه المجاني المشروع قد يكون الوسيلة الأنجح للحد من الفساد الناتج عن الفراغ.
لكل مرض علاج، وتوجد عقاقير عديدة لعلاج نفس المرض لأن كلاً منها قد يناسب مريضاً بينما لايناسب آخر... علاج المشكلات الاجتماعية والإنسانية لايختلف عن علاج الأمراض العضوية لذلك نحن بحاجة إلى مشاريع وحلول عديدة تتكامل وتساهم في القضاء على كافة المشاكل التي نعاني منها بوسائل مختلفة.
* رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ